سورة المسد باختصار
بسم الله الرحمن الرحيم
أبتدئ قراءتي باسم الله الذي وسعت رحمته كل المخلوقات واختص بمزيد رحمة للمؤمنين
خَرَجَ النَّبِيَّ ﷺ إِلَى الْبَطْحَاءِ، فَصَعِدَ الْجَبَلَ فَنَادَى: “يَا صَبَاحَاهَ”. فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ، فَقَالَ: “أَرَأَيْتُمْ إِنْ حَدثتكم أَنَّ الْعَدُوَّ مُصبحكم أَوْ مُمْسيكم، أَكَنْتُمْ تُصَدِّقُونِي؟ “. قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: “فَإِنِّي نذيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٌ شَدِيدٍ”. فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ تَبًّا لَكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾
تَبَّتۡ یَدَاۤ أَبِی لهب وَتَبَّ (١)
خَسِرَتْ وَخَابَتْ يدا أبي لهب، وَضَلَّ عَمَلُهُ وَسَعْيُهُ، وقد تحقق ذلك وخاب وخسر بالفعل. فَأَبُو لَهَبٍ هَذَا هُوَ أَحَدُ أَعْمَامِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَاسْمُهُ: عَبْدُ العُزّى بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو عُتبة. وَإِنَّمَا سُمِّيَ “أَبَا لَهَبٍ” لِإِشْرَاقِ وَجْهِهِ، وَكَانَ كَثِيرَ الْأَذِيَّةِ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَالْبُغْضَةِ لَهُ، وَالِازْدِرَاءِ بِهِ، وَالتَّنَقُّصِ لَهُ وَلِدِينِهِ
مَاۤ أَغۡنَىٰ عَنۡهُ مَالُهُۥ وَمَا كَسَبَ (٢)
لن يغني عنه ماله وولده من الله شيئاً يوم القيامة ولن ينجيه من عذاب الله
سَیَصۡلَىٰ نارا ذَاتَ لهب (٣)
سيعذب ويحرق يوم القيامة بنار ذَاتَ شَرَرٍ وَلَهِيبٍ وَإِحْرَاقٍ شَدِيدٍ
وَٱمۡرَأَتُهُۥ حَمَّالَةَ ٱلۡحَطَبِ (٤)
وَكَانَتْ زَوْجَتُهُ مِنْ سَادَاتِ نِسَاءِ قُرَيْشٍ، وَهِيَ: أُمُّ جَمِيلٍ، وَاسْمُهَا أَرْوَى بنتُ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَهِيَ أُخْتُ أَبِي سُفْيَانَ. وَكَانَتْ عَوْنًا لِزَوْجِهَا عَلَى كُفْرِهِ وَجُحُودِهِ وَعِنَادِهِ؛ وكانت تؤذي رسول الله بإلقاء الشوك في طريقه فَلِهَذَا تَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَونًا عَلَيْهِ فِي عَذَابِهِ فِي نَارِ جَهَنَّم فتَحْمِلُ الْحَطَبَ فَتُلْقِي عَلَى زَوْجِهَا، لِيَزْدَادَ عَلَى مَا هُوَ فِيهِ، وَهِيَ مُهَيَّأة لِذَلِكَ مُسْتَعِدَّةٌ لَهُ
فِی جِیدِهَا حبل مِّن مَّسَدِۭ (٥)
وسوف تعذب في النار بقلادة من ليف جهنم
وَفِي هَذِهِ السُّورَةِ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ وَدَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى النُّبُوَّةِ، فَإِنَّهُ مُنْذُ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾ فَأَخْبَرَ عَنْهُمَا بِالشَّقَاءِ وَعَدَمِ الْإِيمَانِ، لَمْ يُقَيِّضْ لَهُمَا أَنْ يُؤْمِنَا، وَلَا وَاحِدَ مِنْهُمَا لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا، لَا مُسِرًّا وَلَا مُعْلِنًا، فَكَانَ هَذَا مِنْ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ الْبَاهِرَةِ عَلَى النُّبُوَّةِ الظَّاهِرَةِ