عندما يعرض "المغضوب عليهم" عقيدة المنعم عليهم
يتفوق المفكرون اليهود على إخوانهم النصارى في الفهم العميق وإدراك الحقائق، فهم كما وصفهم الله “المغضوب عليهم”؛ لأنهم عرفوا الحق ثم أعرضوا عنه حسداً وبغياً، ومن أجل ذلك استحقوا الغضب الإلهي، أما النصارى فالطابع العام عندهم الجهل بالحقيقة والسطحية في الفهم، ولذلك فهم أمة الضلال، ومن أوضح أدلة ضلالهم في العصر الحديث هو استخفاف اليهود بعقولهم حتى سارع النصارى زرافاتٍ ووحدانا نحو بناء دولة مستقلة لليهود على أرض فلسطين، وذلك بعد قناعتهم أن المسيح لن يعود إلى الأرض وينشئ مملكة الرب إلا بعدما يمهد أبناء يعقوب اليهود لذلك بإقامة دولة على أرض فلسطين.
ومن آثار غضب الرب عليهم أن الله كتب عليهم الذل والشتات عبر العصور “ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا” والتاريخ شاهد لذلك، فقد أذلهم نبوخذ نصر، وأذلهم المسلمون في عهد الرسول-صلي الله عليه وسلم- وكانوا في ذل وهوان في أوروبا حتى أذاقهم هتلر ذلاً لا زالوا يبكون من أجله، ثم ماذا حدث؟
رفعوا الذل عن أنفسهم، وهم بذلك لم يخرجوا أبداً من سنة الله، وإنما انتقلوا من سنة إلهية إلى سنة إلهية أخرى، وهي “إلا بحبل من الله وحبل من الناس” فهم لم يخرجوا من الذلة إلا بحبل الله وحبل الناس، فهم بدهائهم يستخفون بعقول بعض الشعوب ليمدوهم بحبل يرفعون عنهم الذلة، ولكن سرعان ما تدرك تلك الشعوب خبث هؤلاء فيذَلّون مرة أخرى.
ففي العصور الحديثة ركبت يهود ظهر البريطانيين فوعدهم بلفور بقيام دولة لهم في الأرض التي كانوا يحلمون بها والتي تدر لبناً وعسلاً، وفعلاً وفّى خلفاء بلفور من بعده بوعده وكان ما كان، والآن يتشبث اليهود بأمريكا عندما انتقلت زعامة العالم إليها، فبذلوا الغالي والنفيس لتبذل لهم أمريكا الغالي و النفيس، فتدفع الذل إلى حين.
فالاثنان تربطهما الآن مصالح مشتركة عديدة من مصالح عسكرية وعلمية وتقنية و سياسية، ولكن في مقدمتها الدينية، وهم بذلك يدخلون في سنة إلهية أخرى، وهي “بعضهم أولياء بعض”. وتدرك اليهود جيداً أن المسلمين هم مصدر ذلها في المستقبل، ولذلك فهي تسعى جاهدة لمنع المسلمين من رفع رؤوسهم وتصرخ وتصيح حتى لا يصل نور القرآن إلى قلوب بقية الشعوب “وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون”، وحققوا في ذلك تقدماً ملحوظاً لسيطرتهم على وسائل الإعلام.
وفيما يلي نسوق مثالاً لما يكتبه هؤلاء اليهود لتشويه سمعة الإسلام لدى الأمم النصرانية الضالة كتبه صهيوني حاقد، هو: موشي شارون، وموشي هذا يعمل حالياً كأستاذ التاريخ الإسلامي في الجامعة العبرية، وحاصل على الدكتوراه في التاريخ الإسلامي في العصور الوسطي، وقد شغل عدة مناصب، أهمها: المستشار في الشئون العربية لدى وزارة الدفاع و لدى رئيس الوزراء الأسبق مناحييم بيغن، وكذلك شغل منصب مدير منظمة الصهاينة العالمية بفرع جوهانسبرغ، إذن فنحن الآن بصدد دراسة عقلية رجل لا يمثل حثالة القوم، وإنما رجل يملي على السلطة الصهيونية الأفكار و المخططات.
يستفتح موشي مقالته التي عنون لها بـ “أجندة الإسلام” ببيان أن الحرب قد بدأت منذ زمن بعيد بين حضارتين: حضارة الكتاب المقدس بعهديها، وحضارة القرآن، ثم يوضح أنه لا وجود لمصطلح الإسلام المتطرف، وإنما الإسلام و فقط، وذلك حتى لا يظن أنه ثمة إسلام معتدل، وأن الإسلام إذا أطلق فإنما يعني الإسلام المتطرف، و المفكرون النصارى وقعوا في هذا المصطلح الخاطئ حين قارنوا الإسلام بالنصرانية التي تفرق بين النصرانية المتطرفة –والتي تؤمن بحرفية الكتاب المقدس- و النصرانية المعتدلة. ويذكر أن شيوع مثل هذا المصطلح هو بسبب هؤلاء السياسيين المسلمين الذين لا ينطقون بكلمة عربية واحدة، ثم يصنفون الإسلام إلى متطرف و معتدل، ويضيف بأننا إذا أردنا معرفة حقيقة الإسلام فعلينا الاطلاع على ما يقوله خطباء المساجد اللذين يحسنون العربية التي هي لغة القرآن. ثم يحاول هذا اليهودي اطلاع النصارى على حقيقة يغفلون عنها، ويظنون أن القرآن بالنسبة للمسلمين كما الإنجيل بالنسبة للنصارى، فيذكر أن المسلم لا يكون مسلماً إلا حين يضيف إلى شهادة التوحيد الإيمان بالنبيّ محمد، وأن الدين الإسلامي ليست نظريات مسطرة في الكتب، وإنما حضارة تقود الفرد و المجتمع و الأمة بحد سواء.
ويكشف موشي الفرق أكثر، فيبين أن مدار حديث الكتاب المقدس هو الخلاص الأبدي، فيركز العهد القديم على مسألة الخلاص الجماعي وإقامة مملكة للرب تعيش بأمن وسلام دائم، بينما يركز العهد الجديد على الخلاص الفردي من الذنوب ومن سيطرة الشيطان، أما الإسلام فمنذ الولادة يقوم على مبدأ السيطرة على العالم، ويستشهد على ذلك من القرآن بقوله تعالى: “هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله” ثم يدخل الرعب في قلوب إخوانه النصارى، ويقول: إن الإسلام يستقي أحكامه القضائية من القرآن و السنة، وأن اليهود و النصارى لا يستطيعون العيش بين المسلمين إلا بعد دفع الجزية والإذعان للقانون الإسلامي، وعندها فعلى المسلمين إهانة هؤلاء وإذلالهم، وهذا مشاهد في الدول الإسلامية إلى يومنا هذا.
ثم يحاول موشي شارون إغضاب النصارى أكثر فيبين أن الأنبياء المذكورين في الكتاب المقدس في نظر المسلمين هم جميعاً مسلمون، وبذلك فإن إبراهيم وإسحاق و يعقوب وداود وسليمان وموسى وعيسى كانوا جميعاً مسلمين، ثم يعود موشي ليجثم ككابوس على النصارى، فيتساءل: ما الذي يحدث إذا رفض اليهودي أو النصراني أن يخضع لقانون الإسلام؟ فيجيب بأنه السيف، وأن هذا هو الجهاد الذي شرع ضد المشركين و اليهود والنصارى، وبما أن في هذا العصر لا يوجد عدد كبير من المشركين، فإن الجهاد اليوم يصب كله على اليهود والنصارى. وبعد ذلك يثبت شارون أن أمريكا مستهدفة من قبل المسلمين وأنها من أهم أولوياتهم، ويذكر أنه اطلع على بيان صادر من ابن لادن يدعو فيه المسلمين للجهاد ضد أمريكا لا لأنها تساند “إسرائيل”، وإنما لأن أمريكا دنست أراضي المسلمين بأقدام جنودها القذرة، وأن البيان لم يذكر إسرائيل إطلاقاً لا من قريب ولا من بعيد، فموشي بكلامه هذا يحاول إقناع الأمريكان أن التخلي عن مساعدة “إسرائيل” لن يغير من موقف المسلمين المعادي تجاهها. ثم يستكمل شارون مشواره في نصح إخوانه النصارى ضد العدو المشترك وهو الإسلام فيبين أن الإسلام الذي يتفق أبناءه على المسائل الكلية يختلفون في مسائل جزئية إلى مذاهب عدة، وإن أشد هذه المذاهب تمسكاً بالنصوص هو المذهب الحنبلي الذي ينتشر في السعودية، وهؤلاء الحنابلة ليس لديهم أي لعب أو هزل، فإذا ما تحدث القرآن عن الحرب فهي الحرب بلا هوادة، وأن هؤلاء هم اللذين ينتجون الإرهابيين ضد أمريكا، ويذكر أنه يوجد بعض الفضلاء من المسلمين اللذين يفهمون النصوص بطريقة مختلفة حتى أن بعضهم يذكر أحاديث في تحريم قتال النساء والأطفال في الحرب، فموشي يريد أن يقول بهذا إن الحنابلة لا يؤمنون بتحريم قتال النساء والأطفال “كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً”.
ثم يتطرق موشي إلى قضية السلام في الإسلام، ويوضح أن الإسلام لا يعترف بالسلام إلا عندما يكون في صالح المسلمين، وأن الإسلام لا يسمح بالسلام الدائم مع أعدائه، وإنما لمدة لا تزيد عن عشر سنوات يستعد خلالها المسلمون بالقوة والعتاد لمواجهة الأعداء من جديد، فالقتال عند المسلمين قتال أبدي ما دام هناك نصارى وبلاد نصرانية، ويستشهد بصلح الحديبية الذي كان لمدة عشر سنوات، استطاع النبي قبل انقضاء سنتين منها أن يجهز جيشاً قوامه عشرة آلاف جندي ويغير على مكة.
ويستمر شارون في نفث سمومه فيقول: “احتاجت إسرائيل 50 سنة لإقناع شعبها أن السلام مع المسلمين مستحيل، وهي تحتاج ل50 سنه أخرى لإفهام العالم الغربي أنها في حالة حرب مع الحضارة الإسلامية” وبعد ذلك يحذر أمريكا مرة أخرى بالخطر المحدق بها، فيبين أن الإسلام لا يمارس الحرب بالطريقة التقليدية فحسب، وإنما كذلك بالتسلل داخل المجتمعات الأخرى، وأن أغلب الدول الغربية تتجاهل نمو قوة المسلمين داخل أراضيها.
حرب البرجين في أمريكا لم يشن من الخارج، وإذا استمر الأمريكان في سباتهم فسوف يستيقظون قريباً على حروب كيميائية أو حتى نووية ومن داخل أمريكا نفسها.
ثم يعرج موشي شارون إلى قصة نهاية التاريخ في ضوء الأديان، فيوضح أن اليهود يرون نهاية التاريخ بإقامة مملكة للرب يعيش فيها جميع الشعوب بأمن وسلام، و النصارى لا يبتعدون كثيراً عن ذلك، ويرون النهاية بخلاص العالم من القوى الشريرة وغلبة الشيطان وانتصار الحق، أما المسلمون فهم يرون النهاية بانتشار الإسلام في أرجاء المعمورة والقضاء على اليهود والنصارى، فالنصراني في نظر المسلم يستبدل في جهنم بالمسلم الذي يدخلها مؤقتاً، أما اليهود فسوف يقضي عليهم المسلمون في معركة فاصلة يقتل فيها المسلم اليهودي حتى يلجئه خلف الحجر و الشجر فينطقان ليخبرا المسلم بمكان اليهودي فيقتله المسلم، وأن هذه العقيدة يزرعها المسلمون في قلوب أبنائهم في المدارس.
ثم يختم موشي شارون مقاله بنداء مخلص لجميع الحضارات النصرانية في أوروبا وأمريكا وكأنه النذير العريان، ويناشدها بالوقوف ضد المسلمين صفاً واحداً، وأن هذه هي سبيل خلاص النصارى. وهكذا رأيت أخي الكريم كيف يشحن المغضوب عليه قلوب الضالين على أمةٍ أنعم الله عليها وكتب لها التمكين في الأرض ولا عجب، فإن يهود الأمس حزبوا الأحزاب حول المدينة، وهاهم على آثارهم مقتدون، وإن هيمنة اليهود على وسائل الإعلام في أيامنا زاد الطين بلة، فتجد الإعلام الأمريكي بشتى قطاعاته يشوه صورة الإسلام ويختلق الأكاذيب، حتى الحقائق التي يذكرونها عن الإسلام يقدمونها بطريقة مقززة كحال الذي يصف العسل فيعدل عن (نتاج النحل) إلى (قيء الزنابير)، ولكن هم بذلك يعملون على نشر الإسلام من حيث لا يشعرون: وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسود فها نحن نلمس بحمد الله إقبال الشارع الغربي على معرفة الإسلام، وهنا يبرز دور دعاة الإسلام المخلصين ليعرضوا هذا الدين بنوره وعدله وسماحته على تلك الشعوب الضالة المتعطشة التائهة في دهاليز القوانين البشرية.
وأخيراً أتركك أخي الكريم مع هذه الآيات لتربط بين خيرية أمة الإسلام وحقد اليهود وخبثهم وإمكانية هداية كثير من الضالين وانتشالهم من أوحال أمة المغضوب عليهم، ومن يرد الله به خيراً يلهمه فهماً واقعياً لكتاب الله..
“كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” (آل عمران:110-116)
المصدر: موقع المسلم