أولمبياد أثينا وعودة الوثنية
الوثنية الإغريقية لا تعترف بإله له الملك وهو على كل شيء قدير، وإنما آلهة متعددة كل له تصرف معين في الكون، وحسب الأساطير الإغريقية فإن رئيس الآلهة “زيوس” كلف “بروميثيوس” بخلق الإنسان، فخلق “بروميثيوس” الإنسان على أحسن هيئة، وأحبه وجعله قائماً لا كالحيوانات، وأعطاه النار الذي هو من خصائص الآلهة، ونفخت “أثينا” مادة الحياة في الإنسان، وعلّم “بروميثيوس” الإنسانَ حيلة يستطيع بها الاحتفاظ بالجزء الجيد من القربان المذبوح لـ “زيوس”، وإعطائه الجزء الرديء، وعندما علم “زيوس” بالحيلة حرم الإنسان من “النار”، ولكن “بروميثيوس” استطاع أن يسرق شعلة من الشمس ويعيد “النار” للإنسان، وهنا قرر “زيوس” أن يعذب كل من الإنسان و”بروميثيوس”، فكلف مجموعة من الألهة بخلق إنسان في غاية الجمال والجاذبية الظاهرة ولكن في غاية من الخبث والمكر الخفي، وهكذا خُلقت “بندورة” أول امرأة علي الأرض لتكون مصدر شقاء أبدي للإنسان، أما “برومثيوس” فقد قُيّد بسلسلة إلى صخرة في جبل، وأنيط بتعذيبه إلى صقر عملاق ينهش من كبده حتى أنقذه إنسان قوي يدعى “هرقل”، تلكم باختصار شيء من “خزعبلات” الوثنية الإغريقية، أما ما يتعلق بموضوع الأولمبياد، فإن موطن “زيوس” هو “جبل أولمبيا”، وكانت تقام فيه مهرجانات دورية كل أربع سنوات على شرف “زيوس” يستعرض فيها الأبطال مجموعة من الألعاب، وتفتتح هذه الدورات بحفل افتتاح يذبح فيها القرابين لرئيس الآلهة “زيوس”، ثم يتسابق المتنافسون الرجال وهم عراة في مجموعة من ألعاب القوى، ويتوج الفائز بعقال من أوراق الزيتون المقدس التي تنبت عند هيكل “زيوس”، وتحمله رسولة الآلهة وتدعى “نايك Nike”، وكان حضور النساء المتزوجات محرماً حتى لمشاهدة هذه الألعاب.
وتبدأ الفعاليات بقسم عند معبد “زيوس” يتعهد فيه الحكام واللاعبون بالنزاهة، واحترام القوانين، ويقدر المؤرخون أن الأولمبياد بدأت عام 776 قبل الميلاد، واستمرت فوق الألف سنة حتى جاء الحاكم الروماني “ثيودوسيوس الأول” عام 393 بعد الميلاد ليعلن إنهاء هذا المهرجان الوثني، وذلك لأن هذا الحاكم كان قد تنصر، وعلم أن هذا المهرجان يتنافى مع تعاليم المسيح التي تدعو لنبذ الوثنية، ثم نزلت علي مدينة “أولمبيا” غضب الله فدمرت البراكين و الزلازل تلك الآثار التي طالما شهدت ألواناً من الوثنية الصارخة، وتمضي الأعوام والقرون، وتقوم حضارات وتزول أخرى، ومدينة “أولمبيا” لا وجود لها سوى في صفحات التاريخ الغابر، ويأتي القرن التاسع عشر وأوروبا قد ملت من الكنيسة ورجالاتها، وبدأت تبحث عن “إله جديد” ليشغل به الخواء الروحي لدى الإنسان اللاديني، ومع تقدم وسائل التنقيب يكتشف علماء الآثار معالم مدينة “أولمبيا” ومدن وحضارات أخرى في قارات متعددة، وهنا يجد “اللادينيون” (العلمانيون) بغيتهم لربط الشعوب بحضاراتهم (جاهلياتهم) القديمة حتى لا يفكروا أبداً بالأديان، ويأتي البارون الفرنسي “بيريه دي كوبرتين” ليقترح إحياء مهرجان “أولمبيا”، وتقام أولى الأولمبياد الحديثة عام 1896 م في أثينا، ثم يتخذ هذا المهرجان الوثني طابعاً عالمياً ليصبح اليوم من كبريات المهرجانات العالمية، وتصرف فيها البلايين، ويقضي الملايين من البشر الساعات الطوال لمشاهدة فعاليات هذا المهرجان، يقول مؤسس الأولمبياد الحديثة “دي كوبرتين”: “بالنسبة لي فإن الرياضة كانت ديانة وذو طابع ديني”، ولم يحدث كبير تغيير في الأولمبياد الحديثة سوى أن “الرياضة” حلت محل “زيوس” كآلهة، ويقسم الحكام والرياضيون اليوم آخذين بطرف العلم الأولمبي ويقسمون باسم جميع الرياضيين، ثم يأتي العداء الأولمبي بشعلة النار لتبقى مشتعلة طوال الأولمبياد ليتذكر بنو الإنسان هدية الإله “بروميثيوس”!
وهكذا رأيتم أيها السادة أن الحضارة اللادينية الحديثة أعادت الوثنية الإغريقية جذعة بعد أن كانت نسياً منسياً، وتأتي أولمبياد أثينا هذا العام لتكون من نوع خاص شعارها “أهلاً بالعودة إلى الوطن”، وإن شئت فقل: هنيئاً بالعودة للوثنية الإغريقية.
وقد شاهد الملايين حول العالم حفل الافتتاح الذي عج بمعالم الوثنية الإغريقية مستعيناً بأحدث ما توصل إليه التقنية الحديثة في مجال العرض والنقل والبث، ولم تفت لجنة المهرجان الإشارة إلى “الأبطال العراة” المطليين بالطين، أو بعقال ورق الزيتون المقدس! ولكل هذا فإنه قد آن الأوان لعلماء الإسلام أن يقولوا قولتهم في هذا العيد الوثني، ولا مجال للشك أنه عيد وثني، وإذا تقرر لدى العلماء حرمة تحية النصارى في عيدهم وهم أهل ديانة سماوية فما بالك بالمشاركة في أعياد الإغريق الوثنية!، وحتى لو سلمنا جدلاً أن الأولمبياد مجرد مناسبة رياضية بحتة لا علاقة لها بأية وثنية أو ديانة فهل يسوغ للمسلمين المشاركة فيها، إن الأولمبياد الحديثة تسمح للنساء بالمشاركة في الألعاب وقد كانت محرمة عليهن مجرد الفرجة، فالسؤال: لماذا خولف في هذا تقاليد الإغريق ولم يخالف تقاليدهم في “القسم الأولمبي” أو “شعلة النار” مثلاً؟
لقد أراد منظروا الأولمبياد الحديثة الجمع بين الوثنية الإغريقية القديمة والحرية “الفرنسية” الجديدة لتصبح المرأة سلعة رخيصة أخرى في سوق “النخاسة” الجديدة وما أكثرها في الحضارة الغربية.
وإن تعجب فعجب حال لباس المرأة في مثل هذه الألمبياد، فبينما نجد الرجل يلبس السروال الطويل في كثير من ألعاب القوى، والجمباز، فإذا بالسيدات يتسابقن في إظهار مفاتنهن أمام المئات علي المدرجات والملايين خلف الشاشات! ويبتكر شياطين “أولمبيا” في كل دورة أساليب جديدة للإغراء، وما كرة الطائرة النسائية “بالشاطئ” التي أدرجت في سيدني 2000 م إلا تحد صارخ للشرف والفضيلة! لقد حل على أهل “أولمبيا” غضب الله فأهلكوا بالزلازل والنيران، وها هم أهل “أثينا” يعودون في لهوهم ولعبهم ووثنيتهم من جديد، فهل هم فوق السنن الربانية أم السنن الربانية فوقهم!
ومتى سيقاطع المسلمون مثل هذه المهرجانات؟
(( وكم من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلاً وكنا نحن الوارثين. وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولاً يتلوا عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون ))[ سورة القصص: الآيتان 58 و 59].